وُلِدَ الهُدَي فَالكَائِنَاتُ ضِيَاءُ
وَ فَمَّ الزَّمَانِ تَبَسَّمَ وَ ثَناء
ولد النبي صلي الله عليه و سلم بمكه المكرمه في الثاني عشر من شهر ربيع الاول ، و هذا الشهر الذي هو رمز ذلك اليوم الكريم .
و قد ورد عن إبن عباس رضي الله عنهما انه قال : ولد النبي صلي الله عليه و سلم يوم الإثنين ، و إِستُنبِئ يوم الاثنين ، و خَرجَ مُهاجراً يوم الاثنين ، و قَدَم إلي المدينه يوم الاثنين ، و تُوفِّي يوم الاثنين .
و قد أمنَّ الله تعالي علي البشريه بميلاد النبي صلي الله عليه و سلم ، فإستنار الكون بقدومه و قدوم رسالته ، جاء صلي الله عليه وسلم مُكملا و خاتما لجميع الانبياء و المرسلين .
قال الله تعالي : " لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمه و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" [ سورة آل عمران : ١٦٤] .
إن ذكري ميلاد الرسول صلي الله عليه و سلم هي ذكري مولد أمه سعدت بميلادها الامم ، قال الله تعالي : " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " [سورة الانبياء : ١٠٧] .
الإقتداء بالرسول الكريم
يتميز الاسلام عن غيره من الديانات بان الفرد المسلم يدين بالعظمه المطلقه لله وحده ، ولا يُعبد إلا إياه تصديقا لقوله تعالي : " وَ مَا تَعبُدُون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " [ يوسف : ٥٤] ، و يتبين من هذه الآيه الكريمه أن أي إحتفال او إفتعال مناسبه ترقي في الدرجه الاولي للعباده ، هي في حكم " ما أنزل الله بها من سلطان " أي في حكم البدعه والضلاله التي تخالف شرع الله و شريعته .
و في هذا السياق يحرم علي المسلم تحريما مطلقاً عبادة الاشخاص " من دون الله " و الاماكن و الازمان و الظواهر ... الخ .
و أما الرسل و الانبياء فما هم إلا ناقلوا رساله و موجهوا دفة الحياه البشريه نحو الخير و ذلك مصداقا لقوله تعالي : " كَانَ الناسُ أُمَّةً وَاحِدَة فَبَعث الله النَّبِيين مبشرين و منذرين " [ سورة البقره : ٢١٣] .
و يقول سبحانه و تعالي في نبي البشريه جمعاء عليه الصلاة و السلام : " و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " [آل عمران : ١٤٤] .
و يجب الإشاره في ذكري المولد النبوي أننا لسنا في مقام عباده و إنما نحن في مقام إستذكار للظروف التي ولد فيها نبينا محمد صلي الله عليه و سلم للإقتداء به ليكون كلاً منا "محمدا" في صدقه و أمانته و حسن معاملته و أخلاقه في العمل و تحملله لمسؤلياته تجاه نفسه و أسرته و مجتمعه .
أهم عناصر الاقتداء برسول الله صلي الله عليه و سلم
● محبة الرسول صلي الله عليه و سلم
لعل أهم عناصر الاقتداء برسول الله صلي الله عليه و سلم هي محبته ، فإن المحبه تزيل الصعاب و تيسر كل عسير "لان المُحبَّ لِمَن أَحبَّ مُطِيعُ" و محبة الرسول هي ميل قلب المسلم إليه صلي الله عليه و سلم .
و تتجلي تلك المحبه في إيثار النبي علي كل محبوب ، بدايه من نفس المؤمن ووالديه و الناس جميعا ، و ذلك ما خصه الله تعالي من كريم الخصال و عظيم الشمائل . و ما إمتن الله علي العباد بِبعثَتِه و رِسَالته صلي الله عليه و سلم .
و المحبه هي من أعمال القلوب فقد حث الرسول صلي الله عليه وسلم عليها فقال : " وَ الذي نَفْسِي بِيَده لا يُؤمِن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده وولده " [رواه البخاري و مسلم عن أبي هريره] .
● طاعة الرسول صلي الله عليه و سلم
تعتبر طاعة الرسول صلي الله عليه وسلم من أقوي سبل الاقتداء به ، بل إن الاقتداء لا يتحقق ولا يصدق بسواها ، و هي دليل علي الاقتداء بمحبته ، فقد جعل الله تعالي طاعة و إتباع نبيه الكريم دلاله علي حبه سبحانه و تعالي : " قل إن كنتم تحبون الله فإتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم ، و الله غفورٌ رحيم " [ سورة آل عمران : ٣١] .
و طاعة الرسول صلي الله عليه و سلم تكون في كل أفعاله : مأكله و مشربه و نومه و يقظته و عبادته و أدبه و خلقه .
● أخلاق الرسول صلي الله عليه و سلم
كان نبينا الكريم أحسن الناس خلقا و قد وصف الله تعالي ذلك حين قال : " و إنك لعلي خلق عظيم " [سوره القلم : ٤] . و من صورها :
☆ الصدق : كان الرسول صلوات الله عليه أصدق من تكلم ولم يعرف الكذب في حياته أبدا جادا او مازحا ، قال الله فيه : " و الذي جاء بالصِّدْقِ و صدَّق به أولئك هم المتقون " [ سوره الزمر : ٣٣] .
☆ الصبر : فقد مرَّ الرسول بالكثير من الازمات و الصعاب و المصائب و كان دائما صابراً محتسبا : صبر علي اليتم و الفقر ، و صبر علي البعد عن الوطن و الاهل ، و صبر علي الدنيا و زينتها قال الله تعالي : " وَاصْبِر وَ مَا صَبْرُكَ إلا بِالله " [سوره النحل : ١٢٧] .
☆ جوده و كرمه : كان عليه الصلاة و السلام من أكرم خلق الله و أسرعهم بالخير ، و كان جزيل العطاء و لا يخشي الفقر ، كان يقول : " مَن كَان يُؤمِنُ بِاللهِ و اليَومِ الآخِرِ فَليُكْرِم ضَيفه " [رواه البخاري و مسلم عن ابي هريره] .
● عبادة الرسول صلي الله عليه و سلم :
▪︎ قيام الليل : كان النبي صلي الله عليه و سلم لديه القدره المُثلي في عبادة الله تعالي ، فكان كثيرا في قيام الليل فيقوم في وقت راحته و خلوته ، و تقول السيده عائشه رضي الله عنها : " إن النبي صلي الله عليه و سلم كان يقوم من الليل حتي تتفطر قدماه ، فقالت عائشه : لم تصنع هذا يا رسول الله و قد غفر الله لك ما تقدم و ما تاخر ، فقال : أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً . [رواه مسلم ]
▪︎ ذكره لربه : فقد كان أكثر الناس ذكرا لله تعالي ، قال صلي الله عليه و سلم : " مَثلُ الذي يَذكر ربه و الذي لا يذكر ربه مثل الحي و الميت " [ رواه البخاري و مسلم ] .
▪︎ شجاعته : كان صلي الله عليه و سلم أشجع الناس قلبا ، ما تاخر عن قتال ، بل كان إذا حمَّي السيف إحتموا به .
الإقتداء برسول الله أمر واجب ، فمن إقتدي به نال رضاه و رضي الله عز و جل ، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله ، و من أطاع الله نال الهدايه التامه ، قال تعالي : " مَن يُطِع الرسول فقد أطاع الله و من تولي فما أرسلناك عليهم حفيظا " [ سوره النساء : ٨٠] .
كما أن طاعة النبي هي سبب دخول الجنه " كل أمتي يدخلون الجنه إلا من أبي ، فقالوا : يا رسول الله و من يأبي ، قال : من أطاعني دخل الجنه و من عصاني فقد أبي " [ رواه مسلم ] .
صلي الله علي سيدنا محمد و علي آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا.
ردحذف