لم تكن رحلة الإسراء والمعراج من أعجب وأغرب و أعظم الرحلات التي قام بها البشر في التاريخ علي الإطلاق ، بل جاءت رحلة الإسراء والمعراج معجزة إلهية متكاملة حيث اتصلت الأرض بما فيها بالسماء و من فيها , ليس السماء الدنيا فحسب و إنما السماوات السبع .
أظهرت قدرة الله سبحانه و تعالي علي الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكه إلي المسجد الأقصي ، و بعد ذلك عرج به للسموات العلي ثم رجع إلي البيت المقدس ، و تنتهي الرحلة بعودته صلى الله عليه وسلم إلي مكه مره أخري .
كل ذلك حدث في فترة زمنيه قصيره جدا لا تتعدي جزء من الليل ، لتكون معجزة الإسراء والمعراج إحدي معجزات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
جاءت هذه الرحلة لتخرج النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم من حالة الحزن التي تعرض لها بعد وفاة السيدة خديجه .
توثيق رحلة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم
وثق القرآن الكريم رحلة الاسراء والمعراج بسورة كاملة و هي سورة الإسراء ، فيها قال الله تعالي : " سبحان الَّذيِ أسري بِعَبْدِه لَيلَاً مِن المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَي المَسْجِدِ الأَقْصَي الذِي بَارَكْنَا حَوْلهُ لِنُريَةُ مِن آيَاتِنا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ البِصِير" .
أما المعراج فقد أشار الله تعالي اليه في سورة النجم حيث قال : " وَ لَقَد رَآهُ نَزْلَة أُخْرَي(١٣) عِندَ سِدرَة المُنتَهَي(١٤) عِنْدَهَا جَنَّة المأْوَي (١٥) إذ يَغْشَي السِّدرَةُ مَا يَغْشَي (١٦) مَا زَاغَ البَصَرُ و ما طَغَي (١٧) ولقَد رَأي مِن آَيَاتِ رَبهِ الكُبري "
رحلة الإسراء
وتعد رحلة الإسراء هي الرحلة التي كرم الله بها نبيه محمد صلي الله عليه و سلم من المسجد الحرام بمكه إلي المسجد الأقصي في القدس .
وقد بدأت محطة انطلاق رحلة الاسراء بأن أركب جبريل رسول الله صلي الله عليه و سلم دابة يقال لها "البراق" ، و إنطلق البراق إلي المسجد الأقصي يسوقه جبريل ، فأنزله طيبه ، فصلي بها ، و أخبره ما سيكون من هجرته إليها .
ثم أنزله طور سيناء حيث كلَّم الله موسي ، فصلي بها . ثم أنزله ببيت لحم مولد عيسي عليه السلام ، فصلي بها . ثم دني به إلي بيت المقدس ، فأنزله باب المسجد و ربط البراق بالحلقه التي كان يربط بها الأنبياء ، ثم دخل المسجد ليلتقي أنبياء الله المبعوثين قبله ، فسلموا عليه و صلى بهم ركعتين .
رحلة المعراج
المعراج هو ما أعقب رحلة الإسراء من العروج بالرسول صلي الله عليه و سلم إلي السماوات العُلي ، و لما عُرج بالرسول في صحبة جبريل ، إلتقي بآدم عليه السلام في السماوات الدنيا ، و تبادلا السلام و التحية ، و دعا له آدم بالخير .
ثم صعد إلي السماء الثانيه ليلتقي عيسي و يحيي ، ثم صعد إلي السماء الثالثه فرأي أخاه يوسف عليه السلام ، ثم إلتقي أخاه إدريس في الرابعه ، ثم هارون في السماء الخامسه .
ثم صعد جبريل إلي السماء السادسه حيث رأي موسي فسلم عليه و كان مسنداً ظهره إلي البيت المعمور كعبة أهل السماء ، و الذي قيل أنه كل يوم يدخله سبعون ألف من الملائكه لا يعودون إليه أبدا .
ثم إستقبل إبراهيم محمد صلي الله عليه و سلم و قال : " يا محمد ، أقرئ أُمتك مني السلام ، و أخبرهم أن الجنه طيبة التراب ، عذبة الماء ، و أنها قيعان و أن غرسها : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر " [رواه الترمزي] .
ثم إنتهي به جبريل إلي سدرة المنتهي و عندها توقف جبريل ، و إستلم الرسول صلي الله عليه و سلم ملكاً إرتقي به حتي بلغ العرش ، و هناك أنطقه الله التحيات فقال صلي الله عليه و سلم : " التحيات المباركات و الصلوات الطيبات لله " و هناك فرضت الصلاة خمسين صلاة علي النبي و أمته كل يوم و ليله .
فرض الصلاة علي أمة محمد صلي الله عليه و سلم
روي الإمامان البخاري و مسلم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه ، حديث الإسراء المشهور و فيه أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال : " فَأوْحَي الله إليَّ مَا أَوْحَي ، فَفَرضَ عليَّ خَمسِينَ صَلاة فِي كُل يَوم و ليلة ، فنزلت إلي موسي صلي الله عليه و سلم فقال : ما فرض ربك علي امتك ؟ قلت خمسين صلاة ، قال : إرجع إلي ربك فإسأله التخفيف ، قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك و تعالي و بين موسي عليه السلام حتي قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم و ليلة ، لكل صلاة عَشْر ، فذلك خمسون صلاة " .
بعض ما رأي رسول الله عليه السلام في رحله الإسراء و المعراج
● اللبن و الخمر
روي الإمام أحمد و مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال : " أتاني جبريل عليه السلام بإناء من خمر و إناء من لبن ، فإخترت اللبن ، فقال جبريل : أصبت الفطره " .
● داعي اليهود و داعي النصاري
من حديث أبس سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " بينما أنا أسير إذ دعاني داعي عن يمين : يا محمد أنظرني أسألك ، فلم أجبه و لم أقم عليه ، قال جبريل : فذاك داعي اليهود ، أما إنَّك لو أجبته و أوقفت عليه لتهوَّدت أمتك ، قال فقلت " فبينما أنا أسير إذ دعاني داع يساري قال : يا محمد أُنظرني أسألك ، فلم ألتفت عليه و لم أقم عليه ، قال جبريل : ذاك داعي النصاري ، أمَّا إنك لو أجبته لتَنصَّرت أمتك " .
قال الله تعالي " ودَّ كَثيرٌ من أَهْلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِن بعد إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَداً مِن عِندِ أَنْفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّن لَهُم الحَق " [سورة البقرة : ١٠٩] .
● خطباء الفتنة
من حديث أبي هريره رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم أتي علي قوم تُقرَض ألسنتهم و شفاههم بمقاريض من حديد كلما قُرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك ، فقال : ما هذا يا جبريل؟ فقال : هؤلاء هم خطباء الفتنه يقولون ما لا يفعلون " .
● عقبة علي الطريق
جاء في حديث ابي هريره أن الرسول صلي الله عليه و سلم أتي علي خشبه علي الطريق لا يمر بها ثوب إلا قطعته ولا شيء إلا خرمته ، قال ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا مثل أقوام من امتك يقعدون علي الطريق فيقطعونه ، ثم تلا قول الله تعالي : " ولا تَقْعُدوا بكلِّ صراطٍ تُوعِدُونَ و تَصُدُّونَ عن سَبِيلِ اللهِ " سورة [الأعراف : ٨٦] .
● المجاهدون في سبيل الله
عن حديث أبي هريره رضي الله عنه أن النبي أتي علي قوم يزرعون في يوم و يحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان ، فقال صلي الله عليه و سلم : " يا جبريل ما هذا ؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات بسبعمائة ضعف " .
● رؤية الشياطين
عن أنس أن رسول الله صلي الله عليه و سلم مرَّ ليلة أسري به بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هَلمَّ يا محمد !! فلما سأل جبريل عنه قال : " و أما الذي أراد أن تميل إليه فذلك عدو الله إبليس " .
قال الله تعالي : " إنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَإتَّخِذوهُ عدواً إنما يَدْعُو حِزبهُ لِيكُونُوا مِن أَصْحَابِِ السَّعِير " .
● صورة تاركي الصلاة
عن ابي سعد أن النبي صلي الله عليه و سلم أتي علي قوم تُرضَخ رؤسهم في الصخر كلما رُضِخت عادت كما كانت ، فقال : ما هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤسهم عن الصلاه المكتوبة .
قال الله تعالي : " إِنَّ الصَّلاةَ كَانَت عَلي المُؤمِنِينَ كِتاباً مَوقُوتاً " [سورة النساء : ١٠٣]
● صورة مانعي الزكاة
جاء في رواية ابن جرير عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم أتي علي قوم علي أقبالهم رفاع و علي أدبارهم رفاع يسرحون كما تسرح الإبل و يأكلون الصَّريع و الزقوم ، قال : " من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤتون صدقات أموالهم و ما أظلمهم الله شيئا و ما الله بظلامٍ للعبيد " .
الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج
الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج أنها غرست في قلوب و عقول المسلمين الكثير من المعاني المهمة في العقيدة الإسلامية و منها : تشريف مكانة المسجد الأقصي ، و ربط العقيدة الإسلامية بجميع الرسائل السماويه السابقه ، و تشريف الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم و علو مكانته .
و أيضا فرض الصلاة التي هي عمود الدين علي المسلمين ، ووصف العذاب الذي يلاقيه الكافرين و المشركين ، ووصف النعيم الذي ينتظر المؤمنين .
و الثقة بالله سبحانه و تعالي وأن الله جعل مع العسر يسر و مع كل ضيق مخرجا و مع كل هم فرج و مع كل بلاء عاقبة و شفاء .
كل عام و الأمة الإسلامية كلها بخير
ردحذفكل سنه وألامه الاسلاميه بخير
ردحذف