البخل هو إمساك المال و منعه و تجميعه و إكتنازه و حفظه في مورد لا ينبغي إمساكه . وهو الإحتفاظ بالمال في صورة سيولة نقدية مُعطلة غير مُستغلة أو مُتداولة. وهو الإمساك و التقتير عما يَحسن السخاء فيه.
و البخل ضد الإنفاق في الحاضر و المستقبل. وهو يرتبط بمن يملكون المال ، فلا يُقال أن فلاناً بخيلاً إلا وهو ذو مال .
وهو صفة تَبعُد عن الفقراء و المحتاجين إلي المال ، ذلك لأن الفقير ليس لديه ما يكنزه أو يمنعه كي يُطلق عليه بخيل . فالبخيل من يملك المال و لديه القدرة علي الإنفاق لكنه يعطل عن عمد و قصد تلك القدرة فيمتنع عن الإنفاق.
الفرق بين البُخل و الشُّح
البخل هو أن يكون الإنسان كريما علي نفسه و بخيلا علي غيره . أما الشُّح فهو أن يكون الإنسان بخيلا علي نفسه و علي غيره علي حد سواء .
و يعتبر الشح أحد منازل البخل ، و هو أفظع منزلة منه ، وهو من أسوأ الصفات علي الإطلاق.
البخل في الديانات السماوية
يٌعتبر البخل و الشح آفتان من أسوأ الآفات في المجتمع، و ذلك أن لهما تأثيرات سلبية علي حياة كل الأفراد : فهما يوقعان في الإثم ، كما أنهما يفككان الروابط الإجتماعية لتعم الفرقة .
و لذلك حرمت الديانة اليهودية و المسيحية البخل و الشح و إعتبرتهما صفتان ذميمتان يجب التخلص منهما . كما دعت إلي مكارم الأخلاق من محبة و تسامح و كرم و عطف و إغاثة و غير ذلك الكثير .
كذلك فقد حرم الدين الإسلامي البخل لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال : " إتقو الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، و إتقو الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم علي سفك دماءهم و إستحلوا محارمهم ."
فالبخل هو ثمرة الشح ، والشح يدعو إلي البخل . و الشح كامن في النفس . فمن بَخلِ فقد أطاع شحه ، و من لم يَبخل فقد عصي شحه ووقي شره ، و ذلك هو المُفلح . قال الله تعالي : " و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون،" [الحشر: ٩ ]
أنواع البخل
١) البخل بالمال
* بخل الإنسان بماله علي نفسه ، أي إمساك المال و عدم صرفه حتي علي إحتياجاته الضرورية أو الشخصية .
* بخل الإنسان بمال غيره عن غيره. أي منع الناس من إنفاق المال علي الآخرين علي الرغم أنه ليس صاحب المال .
* بخل الإنسان علي نفسه بمال غيره وهذا هو الأسوأ .
٢) البخل بالنفس
وهو أن يبخل الإنسان بنفسه. فلا يقدمها في سبيل الله علي عكس الجود بالنفس من إجل نشر الدين و إعلاء كلمة الله.
٣) البخل بالجاه
و هو بخل صاحب الجاه و المنصب بقدرته علي نفع المحتاجين ، فلا يُصلح بين الناس و لا يسعي من أجل سد حاجة مسكين أو ضعيف .
٤) البخل بالعلم
و هذا أسوأ أنواع البخل ، حيث يقوم صاحب العلم بكتمه عن من يحتاجه و يقول الله تعالي:" الذين يبخلون و يأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ، و أعتدنا للكافرين عذابا مهينا،" [النساء:٣٧]
٥) البخل بالتصدق
و ذلك أن يبخل الإنسان بأي من المال الذي أكرمه الله به إلا إن يكون قد نَذَر. و صاحب هذا النوع يبخل حتي بالقيام بالأعمال الصالحة: فلا يَصوم تطوعا، ولا يتصدق إلا لما نذر ، و لا يُصلي علي النبي إذا ذكر إسمه و لا يعتمر حتي و إن تيسر له.
الأسباب التي تقف وراء البخل
١) ضعف الإيمان بالله.
فالبخيل لا يحسن الظن بالله و يحسب أنه لن يرزق مجددا، و هذا ما يتسبب في إمساكه للمال. قال الله تعالي :" و أما من بخل و إستغني و كذب بالحسنى فسنيسره للعسري. وما يغني عنه ماله إذا تردي ." [الليل:٨-١١]
٢) الوراثة من أحد والديه.
صَنَّف علماء النفس البخل من الإضطرابات النفسية و أكدوا أن هذه الصفة قد تنتقل بالجينات و الوراثة إلي الأبناء و الأحفاد.
٣) الخوف من الفقر.
من الناس من مر بظروف معيشية صعبة كالفقر و الحرمان ، مما يجعله يخاف بعد أن فتح الله عليه برغد العيش أن يعود إلي تلك الأيام مرة ثانية و لذلك فهو دائم الإكتناز و التوفير للمال.
٥) النشأة و التربية.
فتربية الطفل علي التقشف و الحرمان تجعله يعتاد علي عيشة والديه و لذلك عندما يكبر يصبح بخيلا.
٥) حب جمع المال.
من تعود علي حب المال فسينشأ علي التمنع من صرفه معتقدا أن إمساك المال و عدم إنفاقه سيزيد أمواله و سينجح في تكوين ثروة كبيرة.
٦) الجهل بما ينتظر البخيل يوم القيامة.
قال الله تعالي:" ولا يحسبن الذين يدخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شرٌ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات و الأرض و الله بما تعملون خبير،" [ آل عمران : ١٨٠]
آثار البخل علي حياة المجتمع
١) النفاق
قال الله تعالي :" و منهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنَصَّدقَن و لنَكُونَن من الصالحين فلما أتاهم من فضله بخلوا به و تولوا و هم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقوْنَه بما أخلفوا الله ما و عدوه و بما كانو يكذبون."[ التوبة: ٧٥-٧٧]«
٢) الهلاك
ففي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :" إتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم...." [ أخرجه مسلم]
٣) غياب الأعمال الخيرية
* إرتكاب الفواحش و الموبقات طلبا للمال.
* الإمتناع عن الصدقات للفقراء و المساكين.
* عدم دعم الأعمال الخيرية و بالتالي تعطيل المشاريع التعليمية و الدعوية و الإجتماعية و الطبية.
٤) الفرقة و التمزق.
إذا ساد الشح و أخذ كل إنسان لمصلحته فلا يمكن أن يجتمع الجميع علي قلب رجل واحد ابدا، فتكثر الضغائن و الحقد و الحسد و ينقطع المعروف بين الناس و تسود الأنانيه و المصلحة الخاصة.
كيفية التعامل مع الشخص البخيل
الشخص البخيل قد يكون أب ، أم ، أخ ، أخت ، زوجة ، زوج ، إبن أو إبنة . ولذلك يجب ألا نتجاهله ، بل يجب أن نتعامل معه بحكمة حتي لا ينفر منا:
*) يجب أن نُشعر الشخص البخيل بالأمان و أنه سيكون علي ما يرام بعيدا عن المال و يكون ذلك بالحوار الهادئ الهادف.
*) فلسفة البخيل تقوم علي الخوف من المستقبل ، فلا بد من إقناعه أن المستقبل بيدي الله. و بالمال فقط لا يمكن تعزيز الثقة بالمستقبل بل تأتي الثقة بعلاقاته بأسرته و أصدقائه و جيرانه و التي يجب أن يوطدها بالكرم و العطاء و التكافل و الحب.
*) يجب عدم إستخدام ألفاظ مباشرة" أنت شخص بخيل" مثلا، فهذا قد يؤثر بالسلب عليه و يتسبب في زيادة سلوكيات البخل لديه.
*) من المستحسن أن نشرح له مزايا و خصال الكرم و كيف أن الكريم دائما محبوب ممن حوله عكس البخيل الذي يكرهه من حوله و يتجنبوا التعامل معه.
قصص و طرائف من كتاب البخلاء للجاحظ
قصة بإسم " من شابه أباه فما ظلم"
يُحكي أن أحدهم نزل ضيفاً علي صديق له من البخلاء ، و ما أن وصل الضيف حتي نادي البخيل إبنه قائلا : يا ولد عندنا ضيف عزيز علي قلبي ، فأذهب إلي السوق و إشتري لنا كيلو من اللحم..من أحسن اللحم.
ذهب الولد و بعد مدة عاد و لم يشتري شيئا. فسأله أبوه: أين اللحم؟ . فقال الولد : ذهبت إلي الجزار : أعطني أحسن ما عندنا من اللحم! فقال الجزار : سأعطيك لحما كأنه الزبد . فقلت لنفسي إذا كان كذلك فلماذا لا أشتري الزبد بدلا من اللحم . فذهبت إلي البقال و قلت له : أعطني ما عندك من الزبد . فقال البقال: سأعطيك زبدا كأنه العسل. فقلت إذا كان الأمر كذلك فالأفضل أن أشتري العسل. فذهبت إلي بائع العسل و قلت له : أعطني أحسن ما عندك من العسل . فقال بائع العسل: سأعطيك عسلا كأنه الماء الصافي. فقلت لنفسي : إذا كان الأمر كذلك ، فعندنا ماء صافي في البيت .. و هكذا عدت دون أن أشتري شيئا . فقال الأب لإبنه :يا لك من ولد شاطر - و لكن فاتك شيئ ، لقد إستهلكت حذائك بالجري من مكان إلي آخر . فأجاب: لا يا أبي أنا لبست حذاء الضيف .
قصة أخري بإسم" الطبيب و البخيل"
ذهب رجل بخيل إلي أحد الأطباء ليكشف عن علته و يصف له الدواء. و كان الطبيب يتقاضي عن الكشف للمرة الأولي ثلاث دراهم ، و المرة الثانية درهمين ، و المرة الثالثة درهم واحد. فدخل الرجل للطبيب قائلا : لقد سبق أن عرضت نفسي عليك مرتين قبل الآن ، و هذه هي المرة الثالثة.فأرجو أن تكشف عن حالتي الآن و تصف لي العلاج المناسب ، و هذا درهم أجرة الكشف. فعرف الطبيب الحيلة لكنه أجري الكشف علي الرجل ثم كتب له الوصفة الآتية: يعاد إستعمال الدواء السابق مرة ثالثة.
تعليقات
إرسال تعليق