إهتم المسلمون بالسحور منذ عهد الرسول صلي الله عليه و سلم ، الذي حَثَّنا علي السحور ، إذ قال : " تَسَحَّروا فإن في السحور بركة." [ رواه البخاري و مسلم] .
و شدد نبينا الكريم علي الإستيقاظ للسحور لِمَا فيه من مخالفة لليهود ، و قال مؤكدا في ذلك : " إن بِلالاً يُؤذن بليل فكلوا و إشربو حتي يُؤذِّن إبن أم كلثوم." فكان بلال يؤذن فيتناول الناس السحور ، و إبن كلثوم يؤذن فيمتنع الناس عن تناول الطعام . و من هنا نشأت فكرة السحور.
بداية ظهور المسحراتي يطوف علي بيوت المسلمين
ظهرت فكرة المسحراتي يطوف علي بيوت المسلمين عام ٢٣٨ ه علي يد الوالي عُتبة إبن إسحق الذي كان يطوف بنفسه من مدينة العسكر إلي مسجد عمرو إبن العاص في الفسطاط ، و كان يطوف مناديا المسلمين لطعام السحور بصوت جميل: " يا عباد الله ..تسحروا.. فإن في السحور بركة."
ثم تطور الأمر في العصر العباسي حيث كلف الخليفة ( الناصر لدين الله) شخصا للقيام بمهمة السحور و إيقاظ الخليفة نفسه. و إستمر الأمر هكذا حتي زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي ، الذي عين رجلا للقيام بمهمة المسحراتي الذي كان يقول:" يا أهل الله.. قوموا تسحروا،" و لا تزال مهنة المسحراتي قائمة في المجتمع الإسلامي حتي الآن.
مدفع الإفطار و مدفع الإمساك
عندما فُرض الصوم ، كان المسلمون يفطرون علي صوت أذان المغرب ، و عندما توسعت المنطقة الإسلامية أصبح المسلمون في حاجة للإشارة إلي موعد الإفطار بصوت عال و قوي يصل إلي أسماع الكثيرين . فكان المدفع أحد تلك الوسائل.
و قد ظهر أول مدفع في القاهرة التي كانت أول مدينة يستخدم فيها المدفع أول أيام رمضان عام ٨٢٥ه. و يُقال أن السلطان المملوكي (خشقدم) أراد أن يُجَرب مدفعا جديدا ، و صادف وقت إطلاقه وقت آذان المغرب. و ظن الناس أنه تَعمَّد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين. فخرجوا شاكرين ، لما رأي السلطان سرورهم أمر بالإستمرار بإطلاق المدفع كل سحور و إمساك . و بذلك يكون الأمر جاء بالمصادفة.
المسحراتي : فلكلور رمضان
المسحراتي مهنة رمضانية و جزء من التراث الإسلامي المرتبط بهذا الشهر الكريم، حيث يقوم المسحراتي بالتجول في الشوارع يُوقِظ المسلمين في ليل رمضان المبارك لتناول وجبة السحور .
و كان يتجول و هو ممسكا بيده طبلة صغيرة يُعلِّقها في كتفه و يضرب عليها بعصاه أو قطعة من الجلد أثناء تحوله في الطرقات و الحواري لإيقاظ الناس . و كان يلتزم بلبس جلباب واسع فِضفاض و يضع علي رأسه عمة أو طربوش و لا يجوز أن يكون عاري الرأس.
أناشيد المسحراتي
كان المسحراتي يَنشد المدائح النبوية و قصص المعجزات الدينية مثل : قصة الإسراء و المعراج ، و كذلك القصص الشعبية مثل: قصة أبو زيد الهلالي . كما كان يطلق المدائح لأرباب البيوت بعد أن ينادي عليهم بأسمائهم حيث كان يحمل دفترا مكتوب فيه أسماء ساكني الحي.
" أسعد الله لياليك يا فلان" ، " إصحي يا نايم.. وحد الدايم" ، " قول نويت بكره لو حبيت " ، " السحور يا عباد الله" ،" الشهر صائم .. و الفجر قائم.. و رمضان كريم"
مكافأة المسحراتي
كان المسحراتي يَلف علي البيوت طول الليل لإيقاظ الناس و تنبيههم لتناول طعام السحور، و كان يحصل من الناس كل ليلة علي أطباق متنوعة مما يتبقي من موائد الإفطار . و كان الأطفال يلقون إليه بقطع نقود معدنية من الشرفات طالبين منه أن يردد أسمائهم. لكن كان إعتماد المسحراتي الأساسي علي ما يأخذه في أيام العيد من الناس . فكان يمر علي البيوت بيده طبلته المعهودة و يوالي الضرب عليها صباح العيد بعد أن كان يضرب عليها ليلا في رمضان . و كان الناس يهبون له الهدايا و الحلويات و الكعك و النقود و يتناولون معه عبارات التهاني.
التقدم التكنولوجي يهدد مهنة المسحراتي
أصبح التقدم التكنولوجي يهدد مهنة المسحراتي بدءا من مكبرات الصوت و أدوات التنبيه التي تشير إلي مواعيد الصلاة و السحور و صولا الآن إلي الهواتف المحمولة التي تحتوي علي منبهات ، و هكذا كان إنتشار الفضائيات التي أدت إلي سهر الناس حتي ساعات الفجر الأولي.
والحاجة أم الإختراع.. و ها هو المسحراتي قارع الطبلة أخذ في الإختفاء لأن لا حاجة له بعد اليوم. و أصبح من الواضح لنا أن عدد المسحراتيه قد تَقلَّص كثيرا في المدن و في القري و حتي في النجوع .
تعليقات
إرسال تعليق